نساء ملهمات

حتشبسوت | أميز النساء

حتشبسوت أميز النساء

نسافر اليوم عبر الزمان لعصور ما قبل الميلاد، حتى نصل إلى مصر القديمة وعصر الفراعنة العظماء.

لنروي لكِ قصة امرأة قوية تحدت كل التقاليد والأعراف، وأصبحت أول امرأة تتقلد منصب الفرعون، وأقوى ملكات مصر على الإطلاق.

إنها غنمت آمون حتشبسوت الشهيرة بحتشبسوت، «أميز النساء» هو معنى اسمها وقد كانت بالفعل أميزهن؛ فتميزت بذكائها وعقلها الراجح.

 

لنبدأ الآن رحلتنا عبر موقعنا بنات طب لكشف الغموض عن حياة أميز النساء، التي طُمست وشُوهت منذ آلاف السنين ولم تُكتشف إلا في القرن التاسع عشر.

 

نشأتها وزواجها

ولدت عام 1508 قبل الميلاد، والدها هو الملك تحتمس الأول ووالدتها هي الملكة أحمس، هي الابنة الشرعية الوحيدة لأبيها والوريثة الشرعية للحكم.

 

كان والدها محاربًا عظيمًا وفتح العديد من بلاد الشام والنوبة، وكانت تقتدي به وتشاركه الحكم حتى أعلنها وريثته للبلاد.

 

ولكن كانت التقاليد المتبعة هي توريث الحكم للذكور، فإن لم يوجد ابن شرعي يورث الحكم للابن غير الشرعي.

 

فلم يحكم مصر سوى ثلاث نساء قبل حتشبسوت خلال 1500 سنة، ولكن لم ينل أي منهن لقب فرعون، ولسوء حظها كان لديها أخ غير شقيق، وهو تحتمس الثاني.

 

لم يرحب الكهنة بفكرة تولي امرأة الحكم، وسارعوا بزواجها من تحتمس الثاني مثلما جرت التقاليد، ولم تستطع سوى الرضوخ لرغبات الكهنة. 

 

بداية حكم حتشبسوت للبلاد

نالت لقب «زوجة الإله آمون» وهو لقب كهنوتي يمنح صاحبته النفوذ والقوة، ويعد أقوى لقب تحصل عليه امرأة بعد لقب ملكة.

شاركت زوجها تحتمس الثاني الحكم بصفتها ملكة لمصر، وكان تحتمس هزيل الجسم وضعيف الشخصية؛ فأدارت هي شئون البلاد.

 

أنجبت ابنتين ولكن توفيت إحداهما، فلم يكن لها سوى ابنة وحيدة وهي نفرو رع، توفي زوجها عام 1479 قبل الميلاد وهو في العشرينيات من عمره.

مرة أخرى، لم يبتسم القدر لحتشبسوت، فقد كان لزوجها ابن غير شرعي يُسمى تحتمس الثالث، وبذلك أصبح الحاكم الشرعي للبلاد.

 

لصغر سنه أصبحت حتشبسوت الوصية على الحكم، ومن هنا بدأت رحلتها لحكم مصر؛ فبعد بضع سنوات من الحكم المشترك بينها وبين تحتمس الثالث، أعلنت نفسها ملكة للبلاد وأطلقت على نفسها لقب «فرعون».

 

لم يُعرف حتى الآن أسباب انفرادها بالحكم، فيرى بعض المؤرخين أنها أرادت الحفاظ على الحكم لتحتمس الثالث بسبب طمع بعض أفراد الأسرة في الحكم. 

 

وهناك من يرى أنها لطالما أرادت حكم مصر واغتصبت العرش، ولكن يحظى الرأي الأول بتأييد العديد من المؤرخين؛ بسبب ظهور تحتمس الثالث معها على جميع جدران المعابد يشاركها الحكم.

 

عصر حتشبسوت 

بعدما أعلنت نفسها الفرعون الجديد للبلاد؛ أصبحت خامس ملوك الأسرة الثامنة عشر، وشهدت مصر في عهدها ازدهارًا كبيرًا.

كان لقبها الملكي «ماعت كا رع» ومعناه العدل هو روح رع، وأصرت على الظهور بشكل الفرعون المتعارف عليه.

لبست الذقن المستعار وأغطية الرأس مثل من سبقوها من الفراعنة الذكور، وأمرت بتصويرها على المعابد بعضلات صدر قوية بالإضافة إلى الذقن وغطاء الرأس.

وكان المصريون القدماء يتميزون باهتمامهم بأنفسهم وبنظافتهم الشخصية، وانتشرت مساحيق التجميل والكحل والعطور المميزة في عهد الفراعنة، حتى احتار العلماء حول سر جمال ملكات الفراعنة.

 

إنجازاتها

اهتمت حتشبسوت بالشأن الداخلي للبلاد ونهضتها، وعاشت مصر أزهى عصورها في عهدها وساد الأمان والاستقرار.

 

نشطت التجارة في عهدها نشاطًا كبيرًا؛ فأرسلت العديد من البعثات التجارية للبلاد المجاورة، ولعل أشهرها هي بعثة بلاد بونت.

 

أرسلت العديد من الهدايا المحملة على السفن لبلاد بونت. ورجعت السفن بالعاج والأبنوس والأحجار الكريمة وبعض الحيوانات وصورت هذه البعثة على جدران معبد الدير البحري.

 

صورت أيضًا بعثتها لأسوان على جدران معبد الدير البحري، فأرسلت السفن لإحضار الأحجار الضخمة لبناء المعابد والمسلات.

معبد الدير البحري

أعادت فتح محاجر الحجر الجيري والمناجم، التي أهملت منذ فترة احتلال الهكسوس لمصر، وبالأخص منجم النحاس بسيناء.

 

اهتمت بالأسطول البحري وأمرت ببناء السفن الكبيرة، واستخدمتها في التجارة الداخلية والخارجية والصيد ونقل المسلات.

 

نظفت القناة التي ربطت الدلتا بالبحر الأحمر -التي حفرت في عهد الدولة الوسطى. ثم أهملت منذ ذلك الحين- لتسهيل مرور الأسطول المصري للبحر الأحمر.

 

الإنجازات المعمارية

لعل أهم ما ميّز عصر حتشبسوت هي النهضة المعمارية، فشيدت العديد من المعابد والمسلات العملاقة، ومن أشهر إنجازاتها المعمارية:

 

  • معبد الدير البحري العملاق بالأقصر، الذي يصور العديد من إنجازاتها ويحتوي على تماثيل عدة، وبه دُفنت حتشبسوت وأمرت قبل وفاتها بنقل تابوت والدها إلى جوارها، وعُثر به على الكثير من المومياوات.

حتشبسوت أميز النساء

  • مسلتان عملاقتان تمجيدًا للإله آمون بمعبد الكرنك بالأقصر، ما زالت إحداهما موجودة حتى الآن، وأمر نابليون بونابرت بنقل الأخرى إلى فرنسا في أثناء الحملة الفرنسية على مصر.

 

  • المسلة الناقصة بأسوان.

 

كان «سننموت» المهندس المشرف على أعمالها المعمارية كافة، وهو معلم ابنتها ويرجح المؤرخون وجود علاقة حب بينهما.

فبنى مقبرته في الدير البحري وأنشأ ممرًا بين مقبرته ومقبرتها.

 

وفاتها

توفيت عام 1458 قبل الميلاد بعدما حكمت مصر لمدة 20 عامًا. ثم تسلم تحتمس الثالث الحكم بعدها وأمر بهدم تماثيلها وشطب اسمها من على المعابد والمسلات.

 

رجح المؤرخون السبب في ذلك، إلى الانتقام منها لتوليها الحكم بدلًا منه،. ولكن أثبت حديثًا أن هذه الانتهاكات حدثت بعد عشرين عامًا من تولي تحتمس الثالث الحكم. فأغلب الظن أنه فعل ذلك لينسب إنجازاتها لنفسه.

 

لم يكن أحد يعرف عنها شيئًا. حتى وجدت بعثة متحف المتروبوليتان بقيادة عالم المصريات «هيربرت وينلوك» تمثالًا عام 1927 ميلاديًا بالأقصر.

 

كان التمثال مشوهًا ومنزوع الذقن والتاج، ومع البحث وجدوا العديد من التماثيل المهشمة. حتى استطاعوا قراءة الكلمات الموجودة على المعابد وعرفوا أنها ملكة عظيمة لها العديد من الإنجازات.

 

لم يُتعرف على مومياء حتشبسوت حتى عام 2007 ميلاديًا، على الرغم من اكتشافها منذ عام 1903 ميلاديًا.

 

حاولوا محوها من التاريخ ولكن التاريخ أبى إلا أن يقدم للعالم امرأة عظيمة وملكة قوية، ألا وهي حتشبسوت أميز النساء.

بواسطة
كتابة: د. دينا عبد الوهاب الزينيتدقيق لغوي: د. نورا جمال
المصدر
ancientmetmuseum

د/ دينا عبد الوهاب الزيني

لا تستقيم الحياة إلا بالعطاء... وعطاء العلم لا ينضب. أنا دينا الزيني... أخصائية تحاليل طبية وكاتبة محتوى طبي. شغوفة بالتعلم الدائم والكتابة. أسعى لنشر العلم وتبسيطه حتى يسهل على القارئ فهمه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى